سورة النمل - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}
{الذى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب} هو رجل كان عنده اسم الله الأعظم، وهو: يا حي يا قيوم، وقيل: يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت. وقيل: يا ذا الجلال والإكرام، وعن الحسن رضي الله عنه: الله. والرحمن. وقيل: هو آصف بن برخيا كاتب سليمان عليه السلام، وكان صديقاً عالماً. وقيل: اسمه أسطوم. وقيل: هو جبريل. وقيل: ملك أيد الله به سليمان. وقيل: هو سليمان نفسه، كأنه استبطأ العفريت فقال له: أنا أريك ما هو أسرع مما تقول.
وعن ابن لهيعة: بلغني أنه الخضر عليه السلام: علم من الكتاب: من الكتاب المنزل، وهو علم الوحي والشرائع. وقيل: هو اللوح. والذي عنده علم منه: جبريل عليه السلام. وآتيك- في الموضعين- يجوز أن يكون فعلاً واسم فاعل. الطرف: تحريكك أجفانك إذا نظرت، فوضع موضع النظر. ولما كان الناظر موصوفاً بإرسال الطرف في نحو قوله:
وَكُنْتَ إِذَا أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدَاً *** لِقَلْبِكَ يَوْمَاً أَتْعَبتْكَ الْمَنَاظرُ
وصف بردّ الطرف، ووصف الطرف بالارتداد. ومعنى قوله: {قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} أي أنك ترسل طرفك إلى شيء، فقبل أن تردّه أبصرت العرش بين يديك: ويروى: أن آصف قال لسليمان عليه السلام: مدّ عينيك حتى ينتهي طرفك، فمدّ عينيه فنظر نحو اليمين. ودعا آصف فغار العرش في مكانه بمأرب، ثم نبغ عند مجلس سليمان عليه السلام بالشام بقدرة الله، قبل أن يردّ طرفه. ويجوز أن يكون هذا مثلاً لاستقصار مدّة المجيء به، كما تقول لصاحبك: افعل كذا في لحظة، وفي ردّة طرف، والتفت ترني، وما أشبه ذلك: تريد السرعة. {يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأنه يحط به عنها عبء الواجب، ويصونها عن سمة الكفران، وترتبط به النعمة ويستمد المزيد. وقيل: الشكر، قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة. وفي كلام بعض المتقدمين: إن كفران النعمة بوار، وقلما أقشعت ناقرة فرجعت في نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم راهنها بكرم الجوار. واعلم أن سبوغ ستر الله متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقاراً {غَنِىٌّ} عن الشكر {كَرِيمٌ} بالإنعام على من يكفر نعمته، والذي قاله سليمان عليه السلام عند رؤية العرش شاكراً لربه، جرى على شاكلة أبناء جنسه من أنبياء الله والمخلصين من عباده يتلقون النعمة القادمة بحسن الشكر، كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر.


{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)}
{نَكِّرُواْ} اجعلوه متنكراً متغيراً عن هيئته وشكله، كما يتنكر الرجل للناس لئلا يعرفوه، قالوا: وسعوه وجعلوا مقدّمه مؤخره، وأعلاه أسفله. وقرئ: {ننظر} بالجزم على الجواب، وبالرفع على الاستئناف {أتهتدى} لمعرفته، أو للجواب الصواب إذا سئلت عنه، أو للدين والإيمان بنبوّة سليمان عليه السلام إذا رأت تلك المعجزة البينة، من تقدّم عرشها وقد خلفته وأغلقت عليه الأبواب ونصبت عليه الحرَّاس. هكذا ثلاث كلمات: حرف التنبيه، وكاف التشبيه، واسم الإشارة. لم يقل: أهذا عرشك، ولكن: أمثل هذا عرشك؛ لئلا يكون تلقيناً {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} ولم تقل: هو هو، ولا ليس به، وذلك من رجاحة عقلها، حيث لم تقطع في المحتمل {وَأُوتِينَا العلم} من كلام سليمان وملئه: فإن قلت: علام عطف هذا الكلام، وبم اتصل؟ قلت: لما كان المقام- الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به- مقاماً أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم: {وَأُوتِينَا العلم} نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو: قد أصابت في جوابها وطبقت المفصل، وهي عاقلة لبيبة، وقد رزقت الإسلام، وعلمت قدرة الله وصحة النبوّة بالآيات التي تقدّمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها- عطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها، ولم نزل على دين الإسلام شكراً لله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها {وَصَدَّهَا} عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين ظهراني الكفرة؛ ويجوز أن يكون من كلام بلقيس موصولاً بقولها: {كَأَنَّهُ هُوَ} والمعنى: وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة نبوّة سليمان عليه السلام قبل هذه المعجزة أو قبل هذه الحالة، تعني: ما تبينت من الآيات عند وفدة المنذر ودخلنا في الإسلام، ثم قال الله تعالى: وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل. وقيل: وصدها الله- أو سليمان- عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل إنها وقرى: {أنها} بالفتح على أنه بدل من فاعل صد. أو بمعنى لأنها.


{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}
الصرح: القصر. وقيل: صحن الدار.
وقرأ ابن كثير {سأقيها} بالهمزة. ووجهه أنه سمع سؤقا، فأجري عليه الواحد. والممرد: المملس، وروي أن سليمان عليه السلام أمر قبل قدومها فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض، وأجرى من تحته الماء، وألقي فيه من دواب البحر السمك وغيره، ووضع سريره في صدره، فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس، وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاماً لأمره، وتحققاً لنبوته، وثباتاً على الدين. وزعموا أنّ الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم، لأنها كانت بنت جنية. وقيل: خافوا أن يولد له منها ولد تجتمع له فطنة الجن والإنس، فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشدّ وأفظع، فقالوا له: إن في عقلها شيئاً، وهي شعراء الساقين، ورجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليتعرف ساقها ورجلها، فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً لا أنها شعراء، ثم صرف بصره وناداها {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ} وقيل: هي السبب في اتخاذ النورة: أمر بها الشياطين فاتخذوها، واستنكحها سليمان عليه السلام، وأحبها وأقرّها على ملكها وأمر الجن فبنوا لها سيلحين وغمدان، وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام، وولدت له. وقيل: بل زوجها ذا تبع ملك همدان، وسلطة على اليمن، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه، فبنى له المصانع، ولم يزل أميراً حتى مات سليمان {ظَلَمْتُ نَفْسِى} تريد بكفرها فيما تقدّم، وقيل حسبت أن سليمان عليه السلام يغرقها في اللجة فقالت: ظلمت نفسي بسوء ظني بسليمان عليه السلام.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13